عشرات المدنيين قتلوا في قصف للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على مدرسة البادية جنوبي مدينة المنصورة (30 كم عن مدينة الرقة السورية)، الضحايا أغلبهم نساء و اطفال بما أن المدرسة تؤوي أكثر من 50 عائلة نزحت منذ سنة 2012 من ريف حلب و الرقة و تدمر. منظمات إنسانية ذكرت أن أعداد الجثث يفوق المائة و أنها تمكنت من توثيق أسماء 46 فقط من الضحايا بسبب مسارعة تنظيم الدولة إلى دفن الجثث.
التحالف الدولي وعد بالتحقيق في الاتهامات الموجهة له بهذا الشأن، و صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية :”بما أننا نفذنا عدة ضربات قرب الرقة، سنقدم هذه المعلومات لفريقنا المختص بالضحايا المدنيين لإجراء المزيد من التحقيقات”.
أما في العراق، فإن نفس التحالف الدولي دمر أمس بقصف جوي و مدفعي أكثر من 80 منزلا في منطقة الموصل الجديدة (غرب الموصل) على رؤوس ساكنيها، وسائل إعلام محلية تحدثت عن انتشال 136 جثة أغلبهم لنساء و اطفال و يخشى أن عدد الجثث التي لم تنتشل بعد من تحت الأنقاض مازال كبيرا. وسائل إعلام عربية تحدثت عن مقتل 230 شخصا في قصف أمس.
معركة الموصل التي انطلقت منذ أكتوبر الماضي أي منذ ما يزيد عن 5 اشهر، و يقودها التحالف الدولي (أكثر من 60 دولة) لاستعادة المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية، اعتمدت أساسا على القصف الجوي و المدفعي العنيف المرفوق بتقدم على الأرض من القوات العراقية العسكرية و شبه العسكرية بمعاضدة البشمركة الكردية و الحشد الشعبي.
بطء سيرالمعركة و اضطرار القوات المهاجمة إلى التوقف و مراجعة الخطة العسكرية في عدة مناسبات يشي بصعوبتها، أولا للمقاومة الشرسة التي يبديها تنظيم الدولة و استنزافه للقوات المهاجمة خاصة باعتماد السيارات المفخخة، و ثانيا نظرا للطبيعة العمرانية في الجزء الغربي و التي تضع صعوبات أمام تقدم الآليات العسكرية، مما يجبر المهاجمين على خوض حرب شوارع حقيقية.
الكثافة السكنية العالية في المدينة خاصة في الجزء الغربي منها اضطر مئات الالاف إلى النزوح الى المخيمات وقاية من القصف الكثيف، لكن العدد الأكبر من السكان المدنيين مايزال داخل المدينة بعد أن عجزت المخيمات على استيعاب المزيد، الأمر الذي ينبئ بإمكانية أن تكون ضريبة القتال مرتفعة في صفوف المدنيين. نفس هذه المخاوف تخيم على معركة الرقة، و التي و ان لم تبدأ بعد فإن بوادرها تبدو مرعبة باستهداف مدرسة المنصورة في الأيام الأخيرة.
التجارب السابقة علمتنا أن تعامل الجيش الأمريكي مع أي قصف يستهدف مدنيين أثناء حروبه المتعاقبة في المنطقة العربية، يقتصر على الإحساس بالاسف من أجل الضحايا و الوعود بفتح تحقيق في الأمر سرعان ما يلفها النسيان.
لكن من حقنا ككل من يقدس الحياة البشرية، و يؤمن أن للحرب أخلاقيات و للمدنيين فيها حقوق أن ندعو إلى أخذ كل الاحتياطات لعدم استهدافهم. من حقنا أيضا أن نتساءل عن أسباب انعدام التحضير لمخيمات إيواء النازحين بعدد يكفي كل المدنيين في المدينتين بنفس نسق التحضيرات العسكرية. هل لأن الضحايا المحتملين هم بشر من صنف ثان في نظر التحالف الغربي؟ و ماذا عن نظرة حكومة العراق لمواطنيها؟ هل سعة المخيمات بعدد اقصى للاستيعاب قدرته بعض المنظمات ب 150 الف نازح دليل على أن باقي سكان الموصل لا يستحقون الحماية أو على أنهم مواطنون عراقيون درجة ثانية؟ أسئلة مشروعة يحق لنا طرحها و نحن نرى العالم يبرر كل الجرائم مادام الهدف هو القضاء على تنظيم الدولة.
كاتبة تونسية