تتزايد منذ سنوات أعداد العمالة الأجنبية التي تنافس العمالة المحلية في أسواق العمل والتي أسهمت في زيادة نسب البطالة ، فهي تقبل بالأجور المنخفضة ولساعات طويلة وبأي نوع من الأعمال التي تطلب منها ، مما لا تقبل بها العمالة المحلية . وما يزيد خطورة هذه الظاهرة السلبية هو عدم وجود إجراءات عملية وجادة للحد منها ، وعدم تفعيل ما صدر من قرارات حتى السابقة ، ومنها التعليمات رقم ( ١٨ ) لسنة ١٩٨٧ ، والتي حددت عمل الأجنبي بسنة واحدة ، ومراعاة الحاجة الفعلية ، ومعاقبة المخالف بتوريد هم بالسجن والغرامة المالية ، وإلزام العامل الأجنبي بتدريب عامل عراقي او أكثر ، علما ان قرارا صدر قبل سنوات بترحيل من لم يحصل على إقامة شرعية او تصريح عمل رسمي .
ومما يعرف ان آلافا من العمالة الأجنبية تسربت بعد انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها عام ٢٠١١ التي كانت تعمل فيها ، وتوزعت في العاصمة ومدن أخرى للعمل في الفنادق والمطاعم والأسواق التجارية ، إضافة لمن جلبهم بريمر للعمل في المنطقة الخضراء ، كل هؤلاء انضموا الى أعداد أخرى كانت قد سبقتهم بدخول غير شرعي ، او بتأشيرات سياحية تستغل لاحقا للإقامة غير القانونية . وتعززت هذه الظاهرة بعد افتتاح العديد من الشركات والمكاتب الخاصة التي مارست عملية توريد هذه العمالة ، وبالتنسيق مع شركات مماثلة في دول الخليج العربي لجلب الفائض منها . وقد تكاثرت هذه الشركات والمكاتب دون ضوابط ، حتى ان تقديرات غير رسمية أوصلت عددها الى ( ٢٥٠ ) شركة ومكتب !
ويقول اقتصاديون في بحثهم هذه الظاهرة ان العراق لا يعاني من نقص العرض في سوق العمالة ، ولكنه يعاني من عدم استجابة العرض الى نوع الطلب ، وهذا يعني ببساطة عزوف الأيدي العاملة العراقية عن مزاولة أعمال عديدة ، لاعتبارها غير لائقة بهم ، او مناسبة لهم اجتماعيا ، كما يؤشر اقتصاديون ان مشروع قانون العمالة الاجنبية المقدم عام ٢٠٠٩ ، هو قانون غير مكتمل ولا ينصف المواطن ، فضلا عن انه بعيد عن ما هو مرتبط بالحالة الاقتصادية للبلد ، كما ان الحكومة لم تضع الضوابط والآليات الخاصة باستقدام العمالة الاجنبية ، بل هناك شركات ومكاتب خاصة غير مرخصة تقوم بهذه العملية ، وهو خرق قانوني وأضح وخطير .
ولا بد هنا من سؤال يطرح نفسه : ترى كم تبلغ أعداد هذه العمالة الاجنبية ؟ رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة ودورية عنها ، إلا ان مصدرا في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ذكر قبل فترة ان أعدادهم بلغت ( ١٤٠ ) الف ، وان ٩٠/ بالمئة منهم لا يمتلكون رخص عمل ، وفي السنوات التي شهدت تدهورا أمنيا ، أصدرت الجهات المسؤولة في الهند بيانا أوضحت فيه ان عدد العاملين الهنود في العراق وصل الى ( ٣٠ ) الف فرد ، كما ذكرت الخارجية البنغلاديشية في ذات الوقت ولنفس السبب ، ان عدد مواطنيها العاملين في العراق يصل الى ( ١٥ ) الف فرد ، ولا شك ان هذه الإعداد قد تزايدت بعد هذه السنوات واستقرار الأوضاع وتوريد المزيد بتأشيرات سياحية وأقامات عمل .
ان مخاطر وجود هكذا أعداد كبيرة من العمالة الاجنبية متعددة ، فعدا أنها تسهم في ارتفاع نسب البطالة ، فهناك مخاطر أمنية حيث لا تعرف خلفياتهم السياسية والجنائية ،ولا تتوفر المعلومات المتجددة والكافية عنهم ، وكثير منهم يحمل أمراضا معروفة في مناطقهم الآسيوية ، وهم لا يحصلون هنا على الفحوصات الدورية والعلاجات الضرورية ، خاصة وانهم يختلطون بالناس من خلال العمل بالمطاعم والمقاهي ، اضافة الى ما يسببونه من اختلالات في علاقات العمل السائدة وخلق ردود فعل سلبية ازائهم .
وكل ما تقدم يتطلب دراسات علمية ومعالجات وقرارات رسمية تنفذ بشكل جاد ،لانها ظاهرة سلبية تمس امن الوطن واقتصاده ومجتمعه .