اربعة اشهر قضاها الامام الثائر الحسين في مكة ، بعد موت معاوية وتسنم يزيد الحكم ، تيقن الامام عليه السلام ان الثورة لابد منها ، فخرج الى مكة نهاية شعبان بعيداً عن عيون الامويين وليعد العدة للثورة ،ولما ازف الموعد غادر مكة اليوم ( التروية ) الثامن من ذي الحجة قبل يوم واحد من الحج ، متوجها الى العراق لاعلان الثورة ، وإستعادة الاسلام واسقاط حكم الوراثة الاموي ، وجرى ماجرى ، استشهد واصحابة واقتيدت عوائلهم سبايا وحكم بنو امية بعده اكثر من ٧١ سنة ، ترك الحسين خلفه ثورة تشتعل وقدم نفسه على طريق الموت لاجل ان يعيش الناس بكرامة ومساواة ، وظل بنو امية بعد عاشوراء مطأطئي الرؤوس وسقطت دولتهم مترامية الاطراف ، وكان شعار الثوار من بني العباس ( الرضا من ال محمد ) ، كانت لمحة ذكية وخطة استراتيجية استخدمها العباسيون لاسقاط دولة امية ، وهي الانتقام والاستفادة من ثورة الحسين الشهيد وماتلاها من ثورات علوية ..
هاهو التاريخ يطوي نفسه ، وتتوالى الايام ، وكل حاكم يدرك جيداً ماذا تعنيه ثورة العاشر من محرم ودوافعها ، انه فكر الرفض وعقيدة الإباء التي رسخها ابن علي وتوارثتها بعده الشعوب والاحرار على مسرح التاريخ ....
لن نبالغ او نجانب الصواب اذا قلنا ان فكر الحسين قضية تقض مضاجع الحكام اياً كان شكلهم ومنهجهم ودولتهم ، فشعار ( هيهات منا الذلة ) لاينسجم مع انظمة الحكم البالية وسياسات الاقصاء والتهميش ونهب الاموال والوظائف ....
ثورة الحسين منهج وايديولوجية واضحة ولاتستهدف دين او مذهب بل هي تتعلق بطريقة ادارة الدولة والتوزيع العادل للثروة التي ارادها الامام ع ودفع حياته ثمناً دونها...
في العراق ، ظلت فكرة احتواء الفكر الحسيني وتهميشه وابتساره الشغل الشاغل للحكام ، فما ان يهل المحرم وتتشح الحياة بالسواد والحزن حتى تحرك السلطات مجساتها وادواتها لتمرير ايام الرفض الحسيني الى طريق اخر ، فظهرت شعائر وطقوس ليست لها علاقة بالحسين وتحولت قضيته ومنهجه الى ايام حزن ولطم وبكاء وكأنه استشهد واصحابه لأجل ذلك ...
كان الامام الصادق عليه السلام هو الذي حدد مراسم وطقوس المحرم ، فما ان يهل العاشر من محرم حتى يكتسي وجه الامام الحزن ويتشح بيته بالسواد وتتوقف الحياة عنده متأملاً بموقف الحسين ، وكان يقول ( إحيوا امرنا ) حقيقة ان الاحياء الذي يريده الامام ليس الحزن واللطم والزنجيل ، بل احياء امر الحسين هو السير على منهجه الذي اختطه للامة ، منهج الاسلام الحقيقي ، منهج الوطن الواسع الرحب والعادل بين ابنائه واطيافه ، منهج الفرصة المتاحة للجميع ، وتكريس مبدأ ان الشعب هو مصدر السلطات التي سارت عليها شعوب العالم المتحضر...
المنهج الحسيني يرفض البكاء واللطم بل هو منهج الاصلاح والرفض والثورة ، استفادت شعوب كثيرة وحركات تحرر عالمية من هذا المنهج ، اما ديار الحسين وارض مهجعه واصحابه فأبتليت بطغاة وعساكر ودهاة يحرفون الامور عن مواضعها ويتلاعبون بمشاعر الناس وحبهم لأهل البيت عليهم السلام ، لمصالحهم الضيقة ،
كل من يحزن ويبكي ويلطم هو محب للحسين هذه حقيقة لا نزايد عليها ، لكن علينا ادراك جوهر وفلسفة الامام الحسين ع فالمسير الى كربلاء مشياً قد لا يوصلنا الى فكر ومبدأ الامام بل قد نتيه في صحراء العاطفة ونضيع الدرب والمنهج الذي اختطه الامام وسار عليه ...
الثورة والرفض والوقوف في وجه الظلم والفاسدين اهم من الحج والعمرة ، هكذا فهمت الحسين وعرفته