أنت زهرة حالمة
وأنا متمرد عنيد
. بين وبين اشياء لا تُحصى
المناورة احتمالاتها خاسرة
لكن يجمعنا سر صغير
اولى صفحاته بعض عهود
واشياء شتى
الشاهد معنا ذلك البدر
وجرف النهر
وقناديل الصمت التي ابت المغادرة
كنا خيمة اخرى
عناقيد كروم متدلية باناقة مثلى
هل تذكرين تلك اللمسة الاولى
حين تمتلئ بكم هائل من قبل
همسات جميلة.
حتى ذاك النهار ابى الانصراف يرقبنا
عسى ان يعود مرة اخرى
ونلتقي
استهل الشاعر قصيدته باستعارة بلاغية جميلة تتداولها الالسن وكأنه يريد ان يخاطب جميع الكائنات بما فيهم البشر ... لذلك قال انت ... وهو ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ ... زهرة خبر مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره ... حالمة صفة مرفوعة بالضمة الظاهرة في اخرها ... وجملة (انا متمرد عنيد) معطوفة على جملة انت زهرة حالمة ... وقوله (انت) كأنه يخاطب كل النساء بشخصها هي... وقد قرن الشاعر هنا بين جمال الطبيعة والمشاعر والاحاسيس ... علما انه أشار من طرف خفي الى دلالتين زمانيتين في هذا المطلع الاستهلالي ... يضاف الى ذلك انه نأى بها عن نفسه المتمردة لذلك جعل الخطاب في جملتين ثم عطف الجملة الثانية بواو العطف ولم يجعل الخطاب في جملة واحدة ... وذلك من شدة وجده وتعلقه بها ...ومن خلال هذا الحب وحقيقة النأي تبرز لنا حالة التسامي والرقي لأنه خشي عليها حتى من نفسه المتمردة ... وبالرغم من كل ذلك هو يعلم جيدا ان المناورة لا تجدي نفعا وان الاحتمالات لا تأتي بالفوز لانها مغامرة تقود الى الخسارة التي لايرغب في ان يتجرع مرارتها ، والمناورة في اللغة :عمل محسوب لإحباط خصم أو اكتساب ميزة بطريقة غير مباشرة أو مخادعة ، وهو لا يريدها بهذه الطريقة .
لذلك قال الشاعر : يجمعنا نحن الاثنين سر نعرفه أنا وانت ... أول صفحاته عهود ومواثيق قطعناها على انفسنا .. وقد عبر عن هذا السر بأنه صفحة لان الصفحة هي المكاشفة بين الحبيبين كما ورد في الكلام العربي : أبدى له صَفْحتَه : كاشفه وباح له بأسراره . ومعنى العهد : الأمان واليمين والموثق والذمة والحِفاظ والوصية ...يضاف الى ذلك اشياء أخرى ابهمها الشاعر لانها اسرار خاصة بين الطرفين لذلك عبر عنها بكلمة شتى ...أَشْياء شَتَّى : أشْيَاءَ مُخْتَلِفَة ... أو مأخوذ من شت الشيء أي تفرق ... اي ان بينهما امورا كثيرة مختلفة ومتفرقة ...وقوله(الشاهد معنا ذلك البدر) الشَّاهِدُ : مَن يؤدِّي الشهادة ، شاهد عِيان : شاهد يشهد بشيء رآه ... وقد شبه القمر بانه ذو حواس مثل الانسان والجملة احتوت تشبيه واستعارة ... والبدر : اي الكامل (بدر تمام) : قمر كامل الاستدارة ... وقول الشاعرذلك البدر لانه كامل الاستدارة جميل المنظر يبعث في النفس حسا رومنسيا لايفهمه الا العشاق ولا يترجمه احد غير الشعراء ...وقوله (وجرف النهر) الجُرْف : شِقّ الوادي إذا حَفَرَ الماءُ في أسفله ... (وقناديل الصمت التي أبت المغادرة) ... قناديل :جمع والمفرد قنديل: مصباح كالكوب في وسطه فتيل يُملأ بالماء والزَّيت ويُشعل . ويعبر به عن الاشياء الجميلة .. ومعنى أبى .أبَى الشَّيءَ : أنفه ، كرِهه ولم يرض به
وأبَى عنه ، أبَى منه : رغب عنه وعفَّه ، امتنع عنه ... ألمغادرة :غادرَ يغادر ، مُغادَرَةً ، فهو مُغادِر ، والمفعول مُغادَر
غادر وطنَه أوغادر المكانَ : ترَكه ... هولاء كلهم شهود لنا البدر ، وجرف النهر ، والقناديل
الخَيْمَةُ : المنزل
... العناقيد كنا خيمة اخرى تغطي عالمنا وترسل المحبة او انها خيمة أعناب متدلية
الخَيْمَةُ : المنزل والجمع : خِيَام ، وخِيَمٌ
أناقة: (اسم) مصدر أَنِقَ حُسْن معجب في الترتيب والتنسيق ، أو في المظهر والتعبير
ثم يذكرها توددا سائلا اياها ومذكرا بتلك اللمسة التي خفق لها قلبيهما واشعلت لهيب الحب في في الاعماق ... وكيف تتأجج المشاعر حين يمتلئ عالمهما بقبل الحب العذري وهمس الحب الذي يطرب الاسماع وترق له القلوب وتحنو له الروح ...حتى ان ذلك النهار الذي احتوى اللقاء كره ولم يرغب بالمغادرة واصر على البقاء ليشهد مناظر ومواقف اللقاء والحوار الجميل وكأن الدنيا تفتح ذراعيها لتحتضنهما ... ولكن رحل الزمان وتوالت الايام وتعاقب الليل والنهار (عسى ان يعود مرة أخرى) اي ذلك النهار الذي ابى الفراق ... أملا بتجدد اللقاء ومن ثم تشرق أنوار الحب والحنان من جديد
لقد أجاد الشاعر في صياغة المطلع الاستهلالي واشار الى الدلالة الزمانية من طرف خفي لكي لا يشغل ذهن المتلقي بأمر جانبي ... لقد وصف الشاعر المواقف والحوارات والاحداث بطريقة ممتازة دون التطرق الى التفاصيل الدقيقة في مجريات الحوار ... رسم الصوروآثار ودلائل الطبيعة كانت في غاية الدفة ... التصوير الفني والصور البلاغية اضفت على النص مسحة جمال طغت على النص من البداية وحتى النهاية ... المشاعر والاحاسيس اعطت صورا رومانسية جميلة وكان حضورها جميلا وبديعا ... الحالة الوجدانية والتسامي تمكن الشاعر من توضيفها بعناية وجعلها متداخلة مع النص برشاقة ... العواطف كان لها اثر فاعل في اثراء النص ... صاغ الشاعر الخاتمة باسلوب جميل وتمكن من زرع بذرة الامل والرجاء بتجدد اللقاءالذي ينتظره الطرفان بشوق لذلك وضع اسلوب الترجي صيغة له وابتعد عن التمني والجري بحثا عن سراب ... واخيرا لا يسعني الا ان اقول تألق الشاعر في صياغة نص متميز وبديع ... مع فائق التقدير والاحترام