كلما وقعت عيناي على الناقلات العملاقة التي تحمل طبقتين من المركبات الصغيرة والمتوسطة ، وهي تسير بخيلاء نحو بغداد او المحافظات او تتمركز قرب مجمعات “معارض السيارات” ، اشعر بإحباط شديد ، وترتفع عندي مشاعر العتب والغضب تجاه دائرة المرور العامة ، واتساءل : اليس عند مسؤولي هذه الدائرة دراسات عن حالات الاختناق التي تشهدها العاصمة والمحافظات نتيجة كثرة الحافلات القديمة والجديدة التي تتجول مختنقة في الشوارع ؟ اين صوت هذه الدائرة في الحد من هذه الظاهرة التي اخذت بالتفاقم الى حد لا يطاق .. وما هو دور هذه الدائرة المهمة التي تعد برامج للتوعية في عدد من الفضائيات العراقية ، في مناشدة ” الدولة” بإيقاف مهزلة الاستيراد العشوائي للحافلات لاسيما ذات المنشأ الرديء ..؟
ان حالة الازدحام والفوضى التي تعم شوارع البلاد ، باتت احاديث جميع المواطنين ، بين هازئ وناقم وغامز ومشكك .. وهي احاديث يلفها اليأس ، وعدم الشعور بأمل الحل الذي ينشدون ، فمن خلال المشاهدات اليومية للاختناقات المرورية و ما ينتج عنها من حوادث ، نلمس أضراراً مختلفة , ما يوثر سلبا على الاقتصاد و المجتمع و البيئة , وتؤدي الى استخدام غير امثل لوسائل الطرق و المواصلات . لاسيما في مراكز المدن ، حيث الحركة التجارية و الكثافة السكانية العالية , ووجود الجامعات، والاسواق المركزية ” المولات ” التي توالدت بشكل مخيف .
لقد قرأت مؤخرا ، أحد البحوث الصادرة عن المركز القومي لأبحاث البيئة والصحة في (نيبيرج) بألمانيا، إلى أن التكدس المروري لا يسبب فقط سوء المزاج، وتدني الإنتاجية، وكثرة أخطاء العمل، ولكنه قد يسبب الوفاة، وأنه يرتبط بإصابة شخص واحد من بين كل 12 بأزمة قلبية، وأن الأشخاص الذين يواجهون الزحام المروري ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية ثلاث مرات عن غيرهم ، وحذرت من آثار الاختناقات المرورية على أصحاب الأمراض المزمنة كالسكر وأمراض القلب ، واكدت الدراسة على أن ” تأخر العاملين كل يوم عن بداية وقت الدوام الرسمي بساعة أو أكثر، يقلل في مجمله ساعات العمل المطلوبة مما يخفض الإنتاجية، وبالتالي ترتفع فاتورة خسائر الاقتصاد الوطني بشكل عام. ان الازدحام والاختناق المروري ، مجزرة حقيقية ، ترتكب بحق المواطن العراقي ، والجاني يتفرج .
انني ارى ان الحالة المؤلمة القائمة الان في شوارع مدننا هي بين الواقع القائم ، والتنظير الذي نسمعه ونشاهده في الفضائيات ، وبين الأزمة والتفكير في حلها ، بين المعطيات ، والمنهج في قراءة المشكلة وإرجاعها لأسبابها ، هي بين الذات ، والموضوع، بين التنظير، والتصور اللاحق لما يليه..
لقد نسى البعض ، ان الاقتران بين الواقع، والممارسة يدل على واقعية الرؤية وإمكانية التطبيق، وإلا يكون الكلام عن هذه المشكلة في جهة ، والواقع في مكان آخر… فالانشطار الكبير في الرؤية للحالة التي نعيشها في ظل ازمة الاختناقات المرورية ، وبين الحاضر المُعاش الذي يفرض نفسه اليوم بون شاسع ، ومرير. ان التخبط والانهيار والتجاذب ، وصراعات الافكار البالية وغير المسؤولة ، التي تحيطنا وتسكننا، يكون ضحيتها المواطن ، ..فهل انتبهنا الى ذلك ؟ لا اظن .. فلا اذن تسمع ، ولا ذهن يستقرئ .. وانا لله وانا اليه راجعون!