ضمن مسار الإنجازات التي حققها الجيش السوري إقليمياً و دولياً، بدت علامات القلق واضحة على الكيان الصهيوني، هو قلق جاء نتيجة العديد من المعطيات التي فرضتها الدولة السورية، لتكون بذلك النتائج كارثية ليس على اسرائيل فحسب، بل أن تداعيات هذه النتائج ستطال كل من يدور في فلك السياسة الامريكية، فما سعى إليه الكيان الصهيوني خلال العقود الماضية، تمثل في بناء استراتيجيات تُحقق له هدفين اساسين، الأول هو محاولة تأمين استمرارية كيانه، والثاني بناء معادلات الردع التي تخدم الهدف الأول، لكن التطورات التي أنتجتها الحرب على سوريا، جعل قدرة الكيان الصهيوني على فرض استراتيجياته تتراجع، خاصة أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، أرخى بظلاله الثقيلة على اسرائيل، و باتت اليوم أمام واقع جديد، فهي تبحث في كيفية التعامل مع آليات الانتصار السوري من جهة، و من جهة أخرى تحاول تجنب تداعيات تعاظم قوة محور المقاومة ككل، لا سيما في ظل وجود لاعبين أقوياء على الساحة الإقليمية والدولية، الى جانب حزب الله الذي أصبح قوةً إقليمية.
تل أبيب التي اعتادت أن تكون بعيدة عن تأثير المسارات السياسية و العسكرية التي تعصف بالشرق الأوسط، على اعتبار أنها الطرف المدلل أمريكيا و خليجيا في المنطقة، الأمر الذي ساهم في بناء واقعٍ يتناسب مع استمرارية الكيان والأنظمة المحيطة به، لفرض حالة من الاستقرار ذات المنعكسات الإيجابية و التي تضمن بقاء معادلات التفوق الاسرائيلي في المنطقة، ضمن هذا المشهد، ظلت واشنطن المستفيد الأكبر من فرض هذه المعادلة، أما اليوم و كـ نتيجة منطقية للانتصار السوري، و تعاظم قوة محور حلفاء سوريا، تغيرت المعادلات، و باتت تل أبيب في عين العاصفة السورية، و بات رهان الكيان الصهيوني على إسقاط الدور السوري المؤثر إقليميا، من الماضي، فالواقع السوري المستجد و المبنيّ على قواعد اشتباك جديدة، و إصطفافات إقليمية و دولية تتناسب و الواقع المتبدل على خارطة النفوذ الدولي، كل هذا بات يُشكل في تداعياته و نتائجه كارثة ستزعزع بنيان الكيان الصهيوني.
سوريا التي باتت طرفا اساسيا في معادلات الشرق الأوسط، أنتجت منظومة استراتيجية كانت سببا في تحجيم النفوذ الأمريكي و الاسرائيلي في المنطقة، فقد اعتمدت الاستراتيجية السورية في إدارة مسارات الحرب عليها، على سلوك مقتدر و قادر على نسف خطط محور واشنطن، فما تُحيكه أروقة المخابرات الأمريكية و الاسرائيلية ضد سوريا، أُسقط سورياً عبر تكتيكات استراتيجية تأخذ من القوة و القدرة منهجا للتحكم بيوميات الحرب عليها، و بعيدا عن المبالغات، فقد أصبح محور حلفاء سوريا، يضاهي سياسيا و استراتيجيا و حتى عسكريا، محور واشنطن، و هذا ضمن المفهوم السياسي و العسكري للكيان الصهيوني، هو تهديد مباشر للحالة الوجودية التي تُمثل استمرارية الكيان و بقاء تفوقه في المنطقة.
معادلة سوريا و حلفاؤها أسست لمفاهيم جديدة تتعلق بالصراع مع الكيان الصهيوني، و مع اقتراب عملية تحرير إدلب، و الأنباء التي تثقل مسامع الاسرائيلي لجهة الانسحاب الأمريكي من سوريا، و التخلي عن شرق الفرات و ما يحتويه من نظريات التوسع و النفوذ، تتعزز القناعات لدى دولة الكيان، بضرورة البحث عن وسائط يُمكنها أن تخرق هذه المعادلة، و بالتالي فإن المحاولات الإسرائيلية الباحثة عن وقود إضافي لزجه في المشهد السوري، ما يضمن استمرارية الحرب على سوريا، و تعقيد مشاهد الحل السياسي التي فرضتها الدولة السورية، بالإضافة إلى البحث و بتعمق عن أساليب لتحجيم مفاعيل الانتصار السوري، و ضعضعة بنيان محور المقاومة ككل، لذلك تسعى إسرائيل لجذب واشنطن إلى مفهومها و منطقها السياسي و العسكري، لإجبار واشنطن على التدخل بثقلها العسكري في المنطقة، أملا في تحقيق تحولات تُنقذ الكيان الصهيوني، و تبدد هواجسه و بواعث قلقه.
بواعث القلق الاسرائيلي مستمرة في تدحرجها، فالمعادلات السورية الجديدة أسقطت التفوق الاسرائيلي في المنطقة، و بات هذا الكيان محكوما بُجملة من النظريات التي فرضها الانتصار السوري، حيث بات محور المقاومة يُشكل بجزئياته السياسية و العسكرية تفوقا لا يمكن اللحاق به، أو التغلب عليه، فالقدرات العسكرية لهذا المحور قَطعت أشواطا طويلة راكمت خبرات قتالية و تكتيكة، لم تستطع تل أبيب إيقاف صعوده، على الرغم من محاولاتها الكثيرة الرامية لإحداث خروقات تصيب محور المقاومة بالشلل، و باتت سوريا و إيران و حزب الله يشكلون منظومة أصابت الكيان الصهيوني بالرعب، فالتعويل على حرب اسست لها واشنطن و محورها، لم تستطع استنزاف سوريا و محورها، بل جعلتهم أقوى، و عليه فإن سوريا بانتصاراتها وصمودها، نسفت نظريات التفوق الاسرائيلي، و هذه الحقيقة المرة التي تعمل اسرائيل على عدم تصديقها.