المرحوم الشاعر جودت التميمي
إنَّ ادراك الشاعر لأهمية القصيدة قد جاء بعد التحديث / النوّابي / وما تلاه من تطوّر على ايدي شعراء مثقفين. وبالفعل كتب قصائد جديدة لها وقعها الفني ، لكنَّ ضغط الحاجة والعوز ، اضطرّه الى ان يبيعها الى آخرين متشاعرين ، وقد ظهرت في دواوينهم ، الّا أنه ادرك الخسارة لاحقاً ، وبقي متحسراً لا يقوى على الاعتراض الا بسرّية يعرفها مجايلوه . ومن قصائده اللامعة التي لم يشترها أحد بسبب مناخها السياسي، قصيدة ( رمدة الشمس ) التي تُنسب خطأً الى الشاعر مظفر النواب. ويضيف الخزعلي بألم : في بداية السبعينيات، صحا الشاعر من صدمة الخسارة، وجمع الشتات مما تبقّى لديه ، قائلاً : انَّ ما لديَّ بعد الذي حصل لم يكن سوى خواطر . والخواطر هذه، هيَ ما ضمّته مجموعته الوحيدة ( الكَناطر ) ..، وبسهولة يمكن ملاحظة الاعتراف والندم في المقدمة التي كتبها لمجموعته .
كان يمكن لموهبة التميمي ان تتحول الى مدرسة شعرية قائمة بذاتها وان يحمل لواء الشعراء في العقدين الذي ظهر فيهما شاعرا متفردا لكن روح الصعلكة اللمتشظية في داخله جعلت كل همه في ان يأكل ليقتل الجوع في داخله ويشرب ليخدر الوعي والطموح فيه هربا من العوز والفاقة التي عانى منها على مسار حياته من الطفولة حتى الممات رغم انه كان يعمل في فترات ربما كان اشهرها عمله في ( ملهى الكروان ) في بغداد العائد للمطربة لميعة توفيق ..
انه وكلبي بهيمة الوحشة انسبينه
لادرب يعرف وجهنه...
ولاوجه شفنه طفولتنه بجبينه!
لاجدم ينكل ابشارة ويعتنينه
لاشفايف تكطف البسمة علينه!
ولابقت ايد التحط دفو المحبة بحضن ادينه
ولابعد تلعب مراجيح العشك والشوك بينه!
ظلي يفلانه بغرورج...
يلي كلبج والثلج من فرد طينة!
لشوكت؟
لشوكت نبقى انتحمه اعلى الثلج....،
وحنه من جانت محبتنه جهنم مادفينه!!
تزوج مرة واحدة في حياته من (ممرضة ) يذكر الاستاذ يعقوب ان اسمها ( شمعه ) في حين يقول الاستاذ سعد صاحب ان اسمها ( هيام ) وكتب عنها الكثير من الاغنيات والتي كانت ابرزها (اربع حروف بغصن عمري اكتبت)، لكن هذا الزواج لم يدم طويلا بسبب مزاجية جودت وعدم المبالاة وعدم الالتزام بواجبات البيت والزوجة، فتم الطلاق بعد فترة وجيزة لا تتعدى الشهور القليلة، وعن هذه التجربة المؤلمة كتب اغنية (سبع تيام من عمري حلالي) التي غنتها الفنانة المبدعة لميعة توفيق. لم يرزق بأبناء من زواجه الفاشل لكنه يصر على وجود ابنة له اسمها (دموع) وكانت زوجته تكثر من المطاليب التي لا يقوى على توفيرها لها فاثقلت كاهله الديون الكثيرة وكان يعاني من ضائقة مالية في اغلب الاوقات، ورغم العذابات التي حصلت له من هذه المرأة كان يحن لها ويتمنى ان تعود الامور الى سابق عهدها القديم :
انتي وانه
اثنينه اباخر محطة امن العمر
والهم ولانه
اثنينه نعاين على الريل التعده وماتنانه
اثنينه اطفرنا الشباب وما تهنينه بصبانه
اثنينه شموع العرس ظلت ورانه
عندي جلمة
ولو مامش بينج او بيني ميانه
شكلتي لو نخلط توالي العمر ونعوض الجزانه؟
وبسبب عدم اهتمامه لذاته وعوزه وافراطه في شرب الخمر حد الادمان تحول الى ملهات في المناسبات الاجتماعية فهو حكواتي وشاعر ومطلق نكات من اجل حفنات دراهم وزجاجات خمر رخيص ووجبات طعام يسكت فيها صراخ الجوع في داخله ثم يقضي ليله على رصيف موحش بعد كل حفلة يحضرها . .
دون ازعاج او وشاية.
اه من هاي الفجيعة
اه من هاي النهاية
اه من نومي على دروب الوطن مثل النفاية !!
لاردت منك رتوش
لاردت منك مراية
لاردت منك هلاهل ..
لاردت صوغة امن الولاية
ولشوكت عمري يظل عاشور وعيوني سبايه؟
ونته تدري هواي نشدوني الحبايب
يمته فوك الدار تتعلك الراية؟
صدك يمته؟
يمته يلذبيتني بكتر الدرب ذبة النوايه
وانه غاد اعلى الكناطر!
يلمشيت اجيب لسنين الحزن جبر الخواطر؟!
وهكذا تهادى قطار جودت التميمي او مكطوف حسن سلمان نهير الفضلي اللامي بين مدن الفقر والعوز والحاجة ومحطات الشعر والسهر والاغاني والحفلات والمرض والعجز والشيخوخة حتى توقف نبض القلب في عام 2006 ليرحل بصمت وبدون ضجيج طاويا صفحة كان يمكن ان يكون فيها مدويا موت شاعر لو كان الشاعر احترم ذاته وموهبته .
أشكد صبرنا أعلى الكّناطر ... ؟؟
وأنتَ لا هزك دمعنا .. ولا نفع وياك خاطر
لا خطف وجهك علينه
او لا سماك أعلى العطش والديم ماطر
والله لو أعرف الك موسم حصاد
وما تذر الفشل بعيون اليناطر