خاص: شبكة الاعلام في الدانمارك - ظلال هاشم محمد
هنا كنت اقف مع أصدقائي امام هذا الخان قبل اكثر من 40 سنة.. وفوق ذلك الجدار كتبت اسم مدرستي " ..
كان يردد هذه العبارات وهو يسير ببطء داخل أحد الأزقة وبيده مسبحة زرقاء، فتارة يتأمل اطلال مدينته القديمة ، وأخرى يستعيد ما تبقى من ذكرياته وأصدقاء طفولته الذين كانوا يلعبون معه امام خان الشيلان الاثري
الحاج فتحي طاهر الحارس يسرد لي ذكرياته عن (الزقاق) او (العكد) اليهودي كما يسمونه النجفيين بلهجتهم "فيقول" اكثر من 40 عاما قضيتها داخل المدينة القديمة في بيت والدي في فضوة المشراق وانا اتنقل بين الازقة القديمة للمحلات الاربعة، واتنقل عبر الطرق الضيقة الملتوية خلال ذهابي الى مدرستي عندما كنت طالبا في دار النشر ومتوسطة الخورنق حتى الإعدادية ، ومن بين تلك المناطق المعروفة كنت امر بالعكد اليهودي المليء بالمساكن القديمة الذي تنتشر فيه محلات صناعة الاحذية وبعض المقابر والخانات " .
النجف الاشرف احدى المدن العراقية المقدسة التي تبعد عن العاصمة بغداد ب 178 كم ، وتشتهر بالسياحة الدينية ، وهي مركزا ومقرا للحوزة الدينية للمذهب الشيعي ، والتي يتوافد عليها الملايين من الزوار سنويا لزيارة مرقد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام والمراقد والمزارات الدينية .
فعلى بعد اكثر من 120 مترا عن العتبة العلوية المقدسة يقع احد اشهرالازقة القديمة الذي يطلق عليه النجفيين تسمية (عكد اليهودي ) وسط بيوت النجفيين القدامى والأسواق الشعبية والخانات ومقابر علماء المذهب الشيعي .
" كانت تنتشر على جانبي العكد اليهودي ومن بداية السوق الكبير يومها محلات لصناعة الخفاف المصنوعة من اطارات السيارات القديمة او التالفة وكان يوجد أكثر من 20 عشرين محلاً كذلك تنتشر فيه محلات لصناعة وبيع الفراء المصنوعة من جلود الاغنام ومعها صوفها وقد يكتظ العكد بالبدو المتسوقين في بعض المواسم " كما يتحدث الحارس ..
" فان العكد اليهودي يمتد بشكل مستقيم من السوق الكبير على يسار الذاهب صوب المرقد الشريف من خلال السوق الكبير وعند توسعة شارع الصادق شطر الزقاق الى شطرين الاول يبدأ من السوق الكبير الى شارع الصادق وقد هدم جانبه الأيسر ليصبح العكد جزءا من ساحة الميدان , اذ تمت إزالة القسم المكشوف من السوق الكبير الذي كان يمثل بدايته , والثاني يبدأ من شارع الصادق حتى بداية عكد خانية عند بداية خان الهنود والشيلان , ويصل طول الشطر الاول منه بحوالي 100م وشطره الثاني بحدود 50م يستمر وهو الاكثر طولاً والذي ينتهي الى مقام بنات الحسن عليه السلام " .
" جلاب .. جلاب " هكذا كانا بصيحان خلال تجوالهما ليبيعا القماش في الأسواق كما يروي رئيس جامعة الكوفة الاسبق الدكتور حسن عيسى الحكيم خلال سرده تفاصيل نشأة وتسميته الزقاق " جائت تسميته بالعكد اليهودي لوجود عائلة يهودية تتكون من رجل وزوجته وابنه في خان يدعى بخان شعلان حديدة , وكان رب العائلة اليهودية بائع جوال بزاز يمتلك محل اقمشة صغير في نفس العكد المسمى باسمه ويحمل الزوجان اليهوديان الاقمشة على اضرعهم ويتجولون ويناديان بصوت عال في السوق وفي أزقة المدينة القديمة .. جلاب , جلاب) , إشارة إلى القماش الذي يريدان بيعه )"
ويضيف " أن مدينة النجف ليس بها يهود او نصارا في الوقت الحاضر سوى هذا الزقاق حيث نالت هذه الأسرة اليهودية الاحترام والتقدير من قبل المجتمع النجفي فلم تتعرض إلى يوم من الأيام الى مضايقة او إلى اي شيء آخر واستمرت هذه الأسرة في الزقاق حتى شاع اسمها "
ويتابع الحكيم" تنتشر المساكن على جانبي العكد واشهر هذه المساكن هو مسكن بيت آل المظفر ومسكن الشيخ محمد حسين المظفر وتستمر المساكن متجاورة متراصة وصغيرة , وهذه المساكن كلها ازيلت اليوم وتحولت الى محلات ومتاجر للمفرد والجملة تبيع الملابس والعطور وألاقمشة والتحفيات من بداية العكد مرورا بخان الشيلان " .
كان هذا الزقاق يعرف رسميا بشارع العلامة الشبيبي لوجود مقبرة لأسرة ال الشبيب ، ولكن وجود هذه الأسرة اليهودية التي سكنت في الطابق الاعلى من الخان تغير الاسم فيما بعد وبقى يلازم هذه الأسرة إلى يومنا هذا ".
ويبين " هناك الكثير من المسيحيين والصابئة الايزيديين و اليهود لهم مناقشات ومناظرات دينية مع علماء النجف الاشرف حتى كان البعض منهم يحضرون المناسبات فالعلاقات الاجتماعية قائمة وموجودة كانوا ولا زالوا ياتون ويشاركوننا بالإفراج والأحزان وأن هذه الحرية المتاحة للديانات الأخرى لم نجد نص واحد لحصول الاعتداء سواء على أشخاص أو على مؤسسات وهذه تعطينا وسيلة للتعايش السلمي فنجد المناظرات والمحاججات الكلامية حيث يأتي المسيحي او اليهودي او الايزيدي ليعطي رايه بحرية واحترام دون أن يعتدى عليه سواء هذا الرأي اتفق مع راي المسلمين أو اختلف، فحرية الرأي هنا مصونة " .
ويقول أستاذ الحوزة العلمية السيد هاشم محمد عن تعايش المسلمين مع الديانة المسيحية " ان النجف الاشرف مدينة للسلام والتعايش وهي مدينة تحترم الديانات فقد كان الإمام علي عليه السلام يدخل إلى كنائس الحيرة (التي هي تقع عن جنوب غرب النجف بمسافة 10كم) ، وفي احد الايام سمع ناقوس يدق فاستغرب الحاضرون ،فقالوا ما هذا يا امير المؤمنين؟ فقال ان هنا يعبد الله "
ويضيف هناك نص ديني اخر يثبت التعايش مع الديانة اليهودية " ان احد من المسلمين اعتدى على يهودي فاشتكى ذلك اليهودي عند الإمام علي عليه السلام فاقام الحد على ذلك المسلم فالنجف الاشرف لم تهدم كنيسة او تقبل الاعتداء على اهل الديانات بل هي مدينة يحب أهلها التعايش مع الديانات والمذاهب والطوائف فلم يسجل أي انتهاك ضد شخص غيرمسلم عبر تاريخها " .
هذا العمل من نتاجات مشروع ( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة ( MICT) /الأكاديمية الألمانية للإعلام بالتعاون مع (IOM ) المنظمة الدولية للهجرة سنة 2020.