كنت قد نشرت خلال الشهر الماضي حزيران 3 حلقات بعنوان (المشخاب معالم وذكريات) بناء على طلب ابن مدينتي الاخ عبد الزهرة تركي الفتلاوي. وهذه حلقة جديدة سبق ان نشرتها قبل سنوات في شهررمضان:
فــــي ثلاثينيات القــــرن الماضي كنت طفلا اســــكن احدى قرى المشخاب التابعة آنذاك للواء الديوانية كانت القرية صغيرة اقل من 50 منزلا مبنية بالقصب والبردي وسعف النخيل ولم تكن القرية تعرف الكهرباء في ذلك الوقت ولم تدخلها سيارة مطلقا وكان النقل الى المدينة عبر الزوارق في معظم الاحيان.
في مثل هذه القرية يمكمن تصور ما يفعله الاطفال. السباحة في النهر وحدها تماثل ما يفعله اطفال المدن اما اللعب بانواعها المعروفة فلا وجود لها. في شهر رمضان يتنافس الاطفال على الصوم لينالوا رضا الله ثم الوالدين اللذين يتفاخران بصوم اطفالهما رغم صغر السن اي في السادسة والسابعة من العمر وابتكر الناس لاطفالهم الصوم على مراحل اي يصوم الطفل بعد الفطور الصباحي الى الظهر ثم يصوم بعد الغداء حتى موعد الافطار الرمضاني ليشارك الكبار الافطار.
اللعبة المعروفة في تلك القرى هي لعبة (الجعاب) وهي عظام الركبة عند الاغنام وتجري مباريات بين الاشخاص او بين مجموعتين فتوضع وسط دائرة ويعطى كل طفل حق رمي (الصول وهو احد الجعاب) على المجموعة في وسط الدائرة ويكون له حق الفوز بما يمكن ان يخرجه من الدائرة. وفي وقت لاحق في الخمسينات اضيف لهذه اللعبة لعبة الدعابل المعروفة في المدن انذاك. وهناك لعب للشباب لا استطيع شرحها مثل (الجيربحاش) و(الخنزير) وغيرها لكن الشبان الاكبر سنا واحيانا الكبار يمارسون لعبة المحيبس المعروفة وتتم على الاغلب بين شبان قريتين وتجري على الاغلب في ضوء القمر بعد الافطار او في ضوء الفوانيس. ويقدم بعض سكان القرية كما كنا نفعل افطارا كل خميس يحق لكل من يرغب من سكان القرية ان ياتي الى (مضيفنا) لتناول الافطار ثم الشاي والقهوة. وكانت الدعوة بطريقة معروفة في الفرى وهي سماع دق الهاون قبل ان توضع القهوة في الدلال (جمع دلة) على مواقد النار وسط المضيف شتاء او خارجه صيفا. وكان السحور المفضل في القرية هو الرز بالماش مع الدبس واللبن (الروبه) .
كل أهل القرية وبعد الافطار يتزاورون بينهم في المضايف ويتبادلون الروايات والسوالف القديمة حتى السحور وكذلك النساء يتزاورن بينهن وكانت العادة ان تنظم جلسات في البيوت المعروفة
ومن اهم ما يقوم به الاطفال في رمضان في منتصف الشهر ما يسمى (الماجينة) المعروفة ايضا في المدن اذ تقوم مجموعات من الاطفال بالتجول بين البيوت يرددون (ماجينة ماجينة حلي الجيس وانطينه) فتعطيهم ربة البيت مالديها مثل الملبس والجكليت وما اعدته لهذه المناسبة مما ضنعته مثل (الكاكول) او (الكليجة) ليينصرفوا الى بيت اخر.
قبل العيد بأيام يقوم الأهل بإعداد الكاكول والكليجه وحلاوة التمر حيث تجتمع النسوة بعد الفطور للقيام بهذه الإعدادات
.
الأيام الثلاثة قبل العيد كانت لها اسماء :
ام الحلس وأم الوسخ والثالثة نسيت اسمها وهي اسماء للنظافة مثل الحمام والحلاقة والاستعداد لمناسبة العيد.
في القرية يهتم الناس بدشداشة العيد للذكور والنفنوف للاناث ويجري شراء القماش من المدينة (بالدين على الاغلب ويكون التسديد بعد انتهاء الموسم الزراعي للشلب في الخريف).
وتكون الوان ونقشات قماش نفانيف البنات متشابهة في كل عائلة اذ يشتري رب البيت قطعة قماش بعدة امتار لما يكفي البنات وقطعة للاولاد.
وخلال الاسبوع الذي يسبق العيد تقوم النساء بخياطة ملابس العيد للاولاد والبنات ونادرا ما يقوم بذلك الخياط في المدينة.
من عادة الناس في ذلك الزمان وضع الحنة في ايدي الاطفال واحيانا الكبار من النساء في ليلة العيد.
كان الناس في القرى بسطاء وفقراء وفي الثلاثنيات لم تكن في القرية مدرسة ولكن بعض الاطفال تعلموا قراءة القرآن الكريم لدى الملا وهي امرأة عجوز امتهنت تعليم الاطفال مقابل ما يجود به اباؤهم عليه